قوله تعالى: «براءة من الله و رسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين» قال الراغب: أصل البرء و البراء و التبري -: التفصي مما يكره مجاورته، و لذلك قيل: برأت من المرض و برئت من فلان و تبرأت، و أبرأته من كذا و برأته، و رجل بريء و قوم براء و بريئون قال تعالى: براءة من الله و رسوله.
و الآية بالنسبة إلى الآيات التالية كالعنوان المصدر به الكلام المشير إلى خلاصة القول على نهج سائر السور المفصلة التي تشير الآية و الآيتان من أولها على إجمال الغرض المسرود لأجل بيانه آياتها.
و الخطاب في الآية للمؤمنين أو للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) و لهم على ما يدل عليه قوله: «عاهدتم» و قد أخذ الله تعالى و منه الخطاب و رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) و هو الواسطة، و المشركون و هم الذين أريدت البراءة منهم، و وجه الخطاب ليبلغ إليهم جميعا في الغيبة، و هذه الطريقة في الأحكام و الفرامين المراد إيصالها إلى الناس نوع تعظيم لصاحب الحكم و الأمر.
و الآية تتضمن إنشاء الحكم و القضاء بالبراءة من هؤلاء المشركين و ليس بتشريع محض بدليل تشريكه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في البراءة فإن دأب القرآن أن ينسب الحكم التشريعي المحض إلى الله سبحانه وحده، و قد قال تعالى: «و لا يشرك في حكمه أحدا:» الكهف: - 26 و لا ينسب إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا الحكم بالمعنى الذي في الولاية و السياسة و قطع الخصومة.
فالمراد بالآية القضاء برفع الأمان عن الذين عاهدوهم من المشركين و ليس رفعا جزافيا و إبطالا للعهد من غير سبب يبيح ذلك فإن الله تعالى سيذكر بعد عدة آيات أنهم لا وثوق بعهدهم الذي عاهدوه و قد فسق أكثرهم و لم يراعوا حرمة العهد و نقضوا ميثاقهم، و قد أباح تعالى عند ذلك إبطال العهد بالمقابلة نقضا بنقض حيث قال: «و إما تخافن من قوم خيانة فانبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين:» الأنفال: - 58 فأباح إبطال العهد عند مخافة الخيانة و لم يرض مع ذلك إلا بإبلاغ النقض إليهم لئلا يؤخذوا على الغفلة فيكون ذلك من الخيانة المحظورة.الميزان في تفسير القرآنتحياتي: أحلى بنووووووووتة